إرهاب الطرقات في الجزائر
06/08/2007 الجزائر - نسيم لكحل
ما زالت الجزائر تعتبر من أكبر الدول في العالم من حيث حوادث المرور وأغلبها مميتة. ففي ظرف أسبوع واحد احصت المصالح المختصة في الجزائر مقتل 60 شخصا بسبب هذا النوع من الحوادث في عدة ولايات من الوطن، ففي خلال الأسبوع (بين 18 و24 يوليو 2007) أحصت الطرقات الجزائرية وقوع 610 حوادث مرور ذهب ضحيتها 60 شخصا فيما جرح في هذه الحوادث 1110 اشخاص إصاباتهم متفاوتة الخطورة، منهم من أصيبوا بإعاقات دائمة أو قطعت بعض اعضاء أجسادهم نظرا لخطورة الحوادث التي ذهبوا ضحيتها.
ارتفاع مخيف
وحسب آخر تقرير لمصالح الدرك فإن هذه الأرقام المخيفة تجسد زيادة معتبرة في عدد الحوادث وما ينتج عنها من خسائر بشرية مقارنة فقط بالأسبوع الذي سبق الأسبوع الأحمر، حيث ان الأرقام الجديدة مقارنة بأرقام حوادث المرور للأسبوع الماضي تعلن عن زيادة في العدد الإجمالي لحوادث المرور ب 125 حادثا، في حين ان التقرير يتحدث عن اسباب وقوع هذه الحوادث ويلصقها في عوامل السرعة المفرطة وفقدان السيطرة ولامبالاة المارة والتجاوزات الخطيرة، وكذا عدم احترام مسافة الأمن والأسبقية، وكذا عدم احترام إشارات المرور.
إرهاب الطرقات
غير ان التقرير يشير إلى ان السبب المباشر لهذا الإرتفاع في عدد حوادث المرور هذه الأيام هو تزايد حركة المرور في المدن الساحلية والمدن المحاذية للساحل، وكذا في الطرقات التي تربط مختلف المناطق بالشواطئ وما يرافق ذلك من ازدحام كبير في حركة المرور والذي إذا ارتبط بالأسباب الاخرى وخاصة السرعة المفرطة فإن ذلك يكون مآله في النهاية مجازر حقيقية في الطرقات ضحاياها أكبر من المجاز التي ترتكبها الجماعات الإرهابية في الجبال وفي المداشر، مما دفع الكثيرين الى اطلاق تسمية 'ارهاب الطرق' على هذه الظاهرة.
ان أكبر أرقام عدد الحوادث مازالت تستأثر بها ولاية سطيف (300 كلم شرق العاصمة) والتي يشتهر السائقون فيها بالسرعة المفرطة والجنونية في آن واحد، خصوصا سائقي سيارات الأجرة الذين يسيرون في الطرقات وشعارهم في العمل يقول: 'عام في السبيطار ولا دقيقة روطار' ويعني ان هؤلاء السواق لا يقبلون بأي دقيقة تأخر ولو كلفهم ذلك المكوث عاما كاملا في المستشفى.
ويتبين من الأرقام ان أكبر عدد الحوادث سجل فعلا في الولايات الساحلية أو الولايات القريبة منها وهو ما يؤكد ارتباط الظاهرة بموسم الإصطياف حيث تزداد حركة السيارات في هذه المناطق.
أعراس تتحول إلى مآتم
ان الكثير من حوادث المرور في هذا الصيف وقعت في مواكب الأعراس، وحسب مسؤولين من وزارة النقل الجزائرية فإن هذا الصيف عرف تسجيل عدة حوادث مرور مميتة في وسط مواكب الأعراس والتي تكثر بدورها في هذا الفصل بالذات، وتتزامن مع ازدحام حركة السير، مما يؤدي إلى وقوع مآس حقيقية تحول فيها الطرقات الكثير من الأعراس إلى مآتم وجنازات.
قبل ايام كنت شاهدا على حادث مرور مميت على الطريق الوطني رقم 9 الرابط بين ولاية سطيف وولاية بجاية الساحلية، وفي المنطقة المسماة أوريسيا التابعة لولاية سطيف حيث كان هناك موكب لعريس خرجت منه سيارة منو نوع رونو كلاسيك فرنسية الصنع ليقوم بحركة بهلوانية وتجاوز خطير جعله يصطدم بقوة بسيارة أجرة كانت تسير في الاتجاه المعاكس، وكان ذلك كافيا ليتحول العرس إلى مأتم حقيقي لأن الحصيلة كانت وفاة ثلاث فتيات في مقتبل العمر كن في تلك السيارة إحداهن كانت تستعد لزفافها بعد أسبوع فقط، فيما نجا من كانوا في سيارة الأجرة.
نظرا لتفاقم حوادث المرور، وزيادة أخطارها على الأرواح والممتلكات، نتيجة السرعة المفرطة، وتجاوز القوانين، أصدرت هيئة الإفتاء التابعة لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية فتوى جديدة اعتبرت الإفراط في السرعة مع وجود مانع قانوني اعتداء وإصرارا على إفساد المرافق العامة، وأكدت ان السائق في هذه الحالة مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار في البدن والمال، وتضيف الفتوى انه إذا نجم عنه حادث قتل، فإن المتسبب مدان وتطبق عليه أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية.
وقد أصبحت هذه الظاهرة تؤرق كثيرا المسؤولين الجزائريين الذين سارعوا في السنوات الأخيرة إلى إصدار قانون جديد يتضمن عقوبات صارمة في حق المخالفين بهدف التقليل من هذه الظاهرة، وبنص القانون الجديد على فرض الصيانة الدورية للمركبات وكذا توسيع مبررات سحب رخص السيارة.
وحاليا تحتل الجزائر المرتبة الرابعة عالميا والأولى في منطقة المغرب العربي من حيث عدد حوادث المرور، وهذا ما يختزل حجم هذه الظاهرة المقلقة.
وخسائر بالمليارات
تخسر الجزائر سنويا نحو 5000 مليار سنتيم بسبب حوادث المرور، وبسبب عدم تطابق الحظيرة الوطنية للسيارات مع عدد الطرقات التي تقدر فقط بمليون وسبعمائة ألف كيلومتر مربع مقارنة بعدد السيارات الذي ارتفع من مليون ومائتي ألف سيارة عام 1985 إلى أربعة ملايين وستمائة ألف سيارة عام 2006، أي ان عدد السيارات في الجزائر زاد خلال 20 سنة ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف سيارة. كما ان التقارير تشير إلى ان مما زاد الطين بلة هو تراجع قطاع النقل عبر السكك الحديدية في الجزائر وخاصة في مجال نقل البضائع، حيث تتحدث بعض الأرقام عن 85 في المائة من البضائع تنقلها الشاحنات عبر الطرقات وهو ما يزيد في تفاقم ظاهرة الإزدحام وكذلك الحوادث، في حين كان بالإمكان تفعيل نقل البضائع عن طريق السكك الحديدية لتخفيف الضغط على الطرقات وبالتالي انقاذ المئات بل الآلاف من الأرواح
نقلا عن جريدة القبس الكويتية
|