كيف نشأت نظم المرور؟
بقلم: أحمد محمد بركات
منذ فجر التاريخ وبظهور البشرية على سطح الأرض بدأت تنظيمات المرور في الوجود فعندما بدأ الإنسان ألأول يشق طريقه سعيا وبحثا عن صيد لطعامه أو للوصول الى أماكن الشرب والبحث عن الاراضي الصالحة للزراعة ,اعتمد في البداية على قدميه ثم استأنس الحيوان استخدمه في تنقلاته ثم بدأ يفكر في وسائل أخرى أكثرقدرة على تنقلاته ,فتوصل الى استخدم قطعة من الأخشاب كبيرة الحجم كزحافات تجرها الدواب ثم طورها بعمل أجناب لهذه الزحافات فأصبحت على هيأة صندوق كعربة تجرها الخيول ثم طور هذا الصندوق بعمل عجلات خشبية كساها بالقش ثم إستبدل القش بالحديد ثم كساها باطارات من المطاط.
تطور نظم المرور
وظل الانسان يجاهد من أجل ألابتكار والتحسين على مر العصور المختلفة حتى أسفرت جهود في عام 130ق م عن عربه تدفع بالبخاروإستمرت المحاولات حتى عام 1805 حيث تمكن العالم الامريكي اوليفر ايفانس من صنع سيارة تدار بالبخار
وفي عام 1866اكتشف الشرارة الكهربائية وإستغلهاالانسان في تشغيل سيارة اصبح بها قادر على الانتقال إلى مسافات أطول في وقت أسرع وبجهد أقل .
على الجانب الاخر نجد الانسان الاول قد عرف الطرق واهميتها بالنسبة لحياته وتنقلاته فاهتم بتعبيدها وتمهيدها لحسن استغلالها والتاريخ يذكر لنا طريق الكباش بواد الملوك بالاقصر الذي يثبت براعة المصريين القدماء في انشاء الطرق وتعبيدها لتيسير المرور عليها.
وقد اشتهرت روما وفي التاريخ بجوار واشتهرها بالقانون بالطرق المعبدة التي كانت تخرج من روما إلى انحاء شبه الجزيرة والتي كانت منشأالقول الماثور [جميع الطرق تؤدي إلى روما ].
ويعزو الكثيرون الى هذه الطرق السر في استطاعة الرومان السيطرة على امبراطوريتهم هذا المدى الطويل من السنين وقد تم اكتشاف مدينة اثرية ممهدة الطرق و التي بنيت ارجاؤها في الدولة الرومانية القديمة وقد عرف الهنود الحمر أهمية الطرق منذ سلكوا في سبيل تأمين مرورهم إلى ثني فروع ألاشجار وتثبيت اطرافها في الارض لتكون علامة من علامات ماقاموا بتعبيده من الطرق وسط الغابات التي كانوا يعيشون فيها ,ومازال العديد من هذه الاشجار موجودا حتى الان بولاية النيوي بالولايات المتحدة الامريكية.
ثم كان التطور الحظاري وما لحقه من امتداد عمراني وشبكة هائلة من الطرق المتقطعة في محاولة لمواجهة الزحف الهائل من اعداد السيارات نتيجة لتطورها وزيادة اعدادها وكثرة استخدامها مما أدى إلى وقوع الكثير من الحوادث وتعارض مصالح مستخدمي السيارات مع مستعملي الطريق ,ونتيجة للنفس الغريزية التي ولدت في نفوس الافراد اسلوبا ينطوي على عدم احترام الفرد لحقوق الاخرين ـ فقد كان لابد من تحديد قواعد ثابتة لاداب استعمال الطريق بما يحقق الامن والسلامة للجتمع.
ولذلك نجد الاديان السماوية جميعها قد جاءت ترشد البشر الى طريق الصواب وترسي قواعد التعامل بين الافراد وتضع القوانين لاداب المرور وترشد الناس الى حسن استخدام الطريق فتضمنت جميع الكتب السماوية ايات بينات ترسي دستورا عاما لقواعد المرور و ادابه التي تهدي الى تحقيق الامن والسلامة لمستعملي الطريق كافه . فنجد في التوراة "قف وتأمل الطريق " ونص في الإنجيل "أسلكوا بلباقة وحسن ترتيب .
ثم جاء الاسلام و نزل القران الكريم على اشرف المرسلين وورد في فاتحة الكتاب قوله تعالى :"إهدنا الصراط المستقيم " أي : اجعلنا نتبع الطريق الذي لا إعوجاج فيهثم وضع الرسول الكريم دستورا جامعا شاملا لحقوق الطريق بحديثه عليه الصلاة والسلام حين مر على جماعة يجلسون ويتسامرون على الطريق فقال :إياكم والجلوس في الطرقات.. فقالوا مالنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها..فقال :فإذا ابيتم الا المجالس فاعطوا الطريق حقه..فقالوا : وما حق الطريق يا رسول الله قال عليه الصلاة و السلام : غض البصر وكف الاذى ومنع العوائق ورد السلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد التزم الولاة في العصور الاسلامية السابقة بقواعد واداب ونظم المرور باستعمال العلامات التي تدل على اتجاه الطريق وابعاد الطريق بالمسافات ,فقد عثر على لوحة مدون عليها العبارة الاتية [امر بعمارة هذا الطريق وصنعه بالاميال عبد الملك بن مروان امير المؤمنين من دمشق الى هذا الميل تسعه ومائة ميل ].
ووجدت لوحة اخرى رخامية مقاسها 57×39سم منقوش عليها [من ايليا الى هذا الميل ثمانية اميال ].
كما وجدت في صحراء مصر الشرقية في طريق الحجاز اعمدة مثبت في رؤوسها سهام تشير الى اتجاه الطريق للارشاد للحجاج وغيرهم من رواد الصحراء التي
يتلاشى فيها اثر الطريق .وظهر أول نظام مرور عام 1861 في انجلترا وكان هذا النظام يفرض على قائدي العربات واجبات هي :
1ـ اعطاء افضلية المرور الى بقية مستعملي الطريق من المشاة و الحيوانات
2ـ يجب على كل سائق ان يقف عند طلب سائقي العربات التي تجرها حيوانات لأي سبب .
ومع مرور الزمن اخذت مشكلات المرور تتزايد فازداد اهتمام الدول بها واجريت الدراسات والابحاث التي شملت جميع النواحي النظرية و الفنية والعلمية ودخلت فيها احدث ماتوصلت اليه البشرية من النظريات الحديثة في العلوم والهندسة السيكولوجيه والتخطيطية و الاحصائية واصبحت دراسة مشكلات المرور فن وعلما قائما بذاته له اصوله وقواعده .
فقد ادى اتساع نطاق اتصال الدول ببعضها وتشابك مصالحها وشق الطرق التي تصل بين الكثير منها الى مضاعفة الاهتمام بمشكلات المرور ,فخرجت البحوث و الدراسات فيها من النطاق المحلي المحدود الى النطاق الدولي الممتد ,فعقدت المؤتمرات الدولية لدراستها وتوجه نظامها ووضع علامات وارشادات ولافتات دولية موحدة للتنبيه والارشاد و العمل على درء أخطار الطريق ولقد تم الاتفاق بين الدول في مؤتمر جنيف في 19/9/1949 على بروتوكول لتوحيد لافتات وعلامات وإرشادات ضوئية وخطوط المرور البطئ وكيفية وضعها كتنسيق سير المركبات في الطريق وتحديد اتجاه المرور وتحذير قائديها وارشادهم الى اتباع اصول القيادة وقواعد واداب المرور كما عقد اتفاق اخر عام 1968 في فيينا للغرض نفسه
وقد توالت وتعددت اللقاءات الدولية من اجل تبادل المعلومات في تقنين وتنظيم قواعد السير على الطرق والحد من كوارث الطرق و الإقلال من اخطاء الانسان والعمل على توفير الامن والسلامة على الطريق .
ولا يخفى ان تقدم المدينة الحديثة وتعدد وسائل المواصلات وكثرة اعداد السيارت وتزايد السكان وازدحامهم في المدن الكبيرة والمناطق الصناعية مع اعتماد هذا كله اعتمادا جوهريا على الانتقال السريع ,كل ذلك زاد مشكلات المرور تعقيدا وضاعف من خطورته وجعل له الاهمية البالغة .
فقد اصبح المرور الشغل الشاغل لجميع الناس خاصة في الاماكن الاهلة بالسكان يشغل به السائرون على اختلاف وسائلهم في الانتقال ويشغل به الاباء والامهات ويشغل به حتى الامنون في عقر دورهم .
واولت معضم الدول اهتماما علميا كبيرا للمرور فوضعت اسسا لقياس الاثار الناجمة عن مشكلة المرور واستعملت اساليب التحليل الاقتصادي في دراسة علاج مشاكل المرور و العوائد الاقتصادية والاجتماعية والقومية لاوجه العلاج .
|