النقل بالجزائر
article
  accidents payes arabes
 

تقرير

حوادث المرور تكبد الدول العـــربية والشرق الأوسط 60 مليار دولار سنوياً

مشكلة تزايد حوادث الطرق في العالم العربي ليست نسخة مكررة من ذات المشكلة في أي مكان آخر من العالم، فالقضية في العالم العربي لها أبعاد أعمق وأشد فتكا.

وإذا كان من الملاحظ أن الأرقام والإحصائيات التي تقدر عدد حوادث المرور وتقدر خسائرها تختلف وتتباين إلى حد بعيد حسب الجهة التي أعدتها والآليات التي استخدمت في جمع بياناتها إلا أنها جميعا تصب في صالح حقيقة مهمة، وهي أن الدول العربية حافظت على مواقعها في صدارة الإحصائيات التي تناولت هذه الظاهرة وآثارها المدمرة.

تعد الحوادث المرورية واحدة من أهم معوقات مسيرة التنمية في الوطن العربي إذ تكبد وحدها الدول العربية ما يقرب من 25 مليار دولار كل عام وهو مبلغ ضخم كان من الممكن الاستفادة منه في المشاريع التنموية هذا بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي يكون معظمها من فئة الشباب، كما أن حوادث المرور تمثل السبب الثاني لمعوقات النمو في العالم النامي والثالث في الدول الصناعية، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي أن حوادث الطرق هي ثاني سبب رئيس للوفاة في العالم بين المرحلة العمرية من 5 سنوات إلى 29 سنة، كما أنها السبب الرئيس الثالث للوفاة بين سكان العالم العربي بين المرحلة العمرية 30 سنة إلى 44 سنة بحسب إحصائية نشرتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في مايو الماضي.

وتقف الأخطاء البشرية وراء %85 من الحوادث التي تقع في الوطن العربي، وطبقا لدراسة مجلس وزراء الداخلية العرب فإن سلوكيات السائقين تتحمل %73 من أسباب هذه الحوادث، ويتسبب سوء الأحوال الجوية في وقوع %4 من الحوادث، بينما تتسبب وعورة الطرق وعدم سلامتها في حوادث تراوح نسبتها بين %2 و %7 من إجمالي حوادث السير، كما تتسبب سلامة المركبات في نسبة قدرتها دراسات بـ %7 من تلك الحوادث وقدرتها دراسات أخرى بـ %22، بينما يتسبب استخدام "الهاتف الجوال" أثناء قيادة السيارات فيما لايقل عن %6 من إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن حوادث المرور طبقا للدراسات التي أجريت في هذا الشأن كما تتوزع نسب أخرى على الإهمال واللامبالاة وعدم التركيز الذهني أثناء القيادة ناهيك عن عدم ربط حزام الأمان وسوء تقدير حجم الخطر، فضلا عن القيادة في حالة الإجهاد أو النعاس أو تحت تأثير الكحول والمخدرات.

كارثة حقيقية
وتمتلك الدول الصناعية حوالي 80 في المائة من إجمالي السيارات في العالم ولكنها لا تحتكر بالمثل النسبة الكبرى من حوادث الطرق حيث تحتفظ بـ %40 فقط من نسبة الحوادث في العالم بينما تهدي العالم النامي %60 من حوادث السير القاتلة رغم أن الدول النامية لا تمتلك سوى 20 في المائة من سيارات العالم.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ومقرها تونس إلى أن عدد القتلى من جراء حوادث المرور في العالم قد بلغ في العام الحالي 2.1 مليون نسمة بالإضافة إلى أن حوادث الطرق خلفت 20 مليون مصاب ومعوق وتزيد في بعض الإحصائيات إلى 50 مليون يستأثر الوطن العربي وحده بـ 35 ألف قتيل و 250 ألف جريح %44 منهم في مصر فقط و%15 في المغرب و%11 في اليمن، بينما تبلغ النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية 1.1 في المائة من الحوادث على مستوى العالم فقط.
وبحسب الإحصائية التي نشرتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب التي تعمل تحت إطار الجامعة العربية فقد قدر عدد قتلى حوادث السير في العالم العربي بأكثر من 21 ألف شخص سنويا في حين يصل عدد المصابين والجرحى إلى حوالي 210 آلاف شخص، ويصل معدل الحوادث في الأردن إلى 494 عن كل 100 ألف نسمة، و134 في سوريا، و141 في العراق عن كل 100 ألف مواطن، وهي أرقام تقترب من تلك التي توصل إليها الدكتور راضي عبد المعطي، وبحسب دراسة أعدها بجامعة نايف للعلوم الأمنية فإن معدل الوفيات جراء حوادث المرور في العالم العربي يبلغ 20 ألفا كل عام، بينما يشغل ضحايا حوادث المرور في العالم %10 على الأقل من الأسرة في المستشفيات.

ضحايا كل ساعة
ويفوق عدد ضحايا حوادث المرور ضحايا العمليات الإجرامية كما تفوق خسارتها المادية الخسارة الناجمة عن جرائم السرقة والاختلاس وما شابهها وتفوق في عدد ضحاياها ضحايا الأوبئة التي تصيب المجتمعات في بعض الحالات، وخلال العقدين الماضيين بلغ عدد قتلى الكوارث الطبيعية مليوني قتيل بينما قدر عدد قتلى حوادث المرور خلال ذات الفترة من 5 إلى 7 ملايين قتيل، مما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى إطلاق مصطلح "وبائيات" على حوادث المرور، ودعت إلى زيادة الموارد المخصصة للبحث العلمي الذي يستهدف الحد من هذه الظواهر، خاصة أن 60 في المائة من حالات الإعاقة في العالم يرجع إلى حوادث المرور، وفي دراسة أعدت بجامعة عين شمس في القاهرة تشير الإحصائيات إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بلغت 7 آلاف حالة في عام واحد بينما بلغ إجمالي عدد حوادث المرور 29 ألفا و 111 حادثا.

نماذج عربية
وتتسبب حوادث المرور في السعودية في مقتل شخص وجرح ثمانية كل ساعتين، وتصل نسبة الإصابات جراء الحوادث إلى 135.5 إصابة لكل 100 ألف نسمة، ونسبة حوادث المرور في السعودية 1424 حادثا لكل 100 ألف نسمة، ولعب تسارع مستوى التحضر الذي شهدته المملكة العربية السعودية في العقود الأخيرة والذي وصل لنسبة %83 دورا كبيرا في هذا المضمار، فقد أصبحت السيارة الخاصة من الضروريات ففي عام 1970 كانت هناك 150 ألف سيارة في السعودية قفزت إلى 4.4 مليون سيارة في عام 2001 بزيادة قدرها %3000 وهو ما أدى إلى ابتعاد المواطنين عن وسائل النقل العامة الأكثر أمانا بحيث لا تتعدى نسبة استخدام المواصلات العامة في السعودية %2 ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الحوادث والمخالفات المرورية لدرجة أن ثلث أسرة المستشفيات مشغولة بمصابي الحوادث المرورية، كما تشير النشرة الإحصائية لإدارة الدوريات الأمنية لمدينة الرياض إلى أن عدد المخالفين لقواعد وأنظمة المرور بلغ في عام واحد ما يزيد على مليون ونصف المليون مخالفة مرورية، ويشير مؤشر خطورة الحوادث في السعودية إلى أن جميعها تتسم بالبشاعة والدموية وأن %30 من المتوفين في تلك الحوادث بسبب إصابات مباشرة في الرأس و %53.6 بسبب تعرضهم لإصابات في مناطق مختلفة من الجسم و%13.5 في منطقة الصدر و%3.2 في الحبل الشوكى وهو ما يدل على أن معظم المتوفين لا يلتزمون بتعليمات الأمان وربط حزام الوقاية.
وأكدت الدراسة أن مصر تستأثر بأعلى نسبة حوادث مرور، حيث يسجل فيها سنويا 1959 حادث مرور لكل 100 ألف مواطن، وبحسب دراسات أخرى فإن نسبة الإصابات تصل في مصر إلى 2600 إصابة لكل 100 ألف نسمة، ويرجع البعض ذلك إلى أن مصر الدولة الأكثر من حيث عدد السكان ولديها واحدة من أكبر خمس مدن في العالم وهى القاهرة والتي تزدحم بأكثر من 15 مليون نسمة وحدها تعاني ويلات مرورية لا قبل لدولة في العالم بها وتعد من التحديات الرئيسة التي تواجه الحكومات المصرية المتعاقبة بالإضافة إلى طفرة هائلة في عدد السيارات الخاصة والتي قدرت في عام 1999 بمليوني سيارة وقد تضاعفت بالتأكيد خلال الأعوام الفائتة ووصلت في عام 2002 إلى 45 سيارة لكل ألف نسمة ومن يطالع الصحف المصرية الصباحية يجدها زاخرة بالحوادث المرورية التي تحدث على الطرق الرابطة بين محافظات الوجه البحري والقبلي وعادة ما تكون بسبب الشبورة المائية التي تتكون في الصباح الباكر وتعيق الرؤية، وقد رصدت الأجهزة المعنية في مصر عام 2002 عدد الحوادث وتبين أن 99 حادثا مروريا يحدث في مصر كل يوم وان %85 من هذه الحوادث بسبب قلة الوعي لدى السائقين والرعونة وعدم الانتباه أثناء القيادة.
وفي الكويت تقدر الإصابات جراء حوادث المرور بحوالي 766 إصابة لكل 100 ألف نسمة، بينما تبلغ نسبة الحوادث 1799 حادثا مروريا لكل 100 ألف نسمة ويرجع البعض ذلك إلى أن الكويت التي تعد من أغنى دول العالم النامي وصلت نسبة التحضر بها إلى %100 بحيث أصبح جميع شباب المجتمع الكويتي قادرين على اقتناء سيارة بسهولة جدا مما جعل نسبة اقتناء السيارات الخاصة بواقع سيارة لكل شخصين مما جعل تلك الدولة تكتظ بالسيارات وولد ذلك اختناقا مروريا حتى وصلت نسبة السيارات التي تدخل إلى العاصمة الكويتية كل ساعة حوالي 200000 سيارة يوميا قادمة من الضواحي لدخول العاصمة في عام 1983 وبالطبع فقد تضاعفت تلك النسب الآن، وتشكل نسبة حوادث الشباب نسبة كبيرة من الحوادث الكويتية لتحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث نسبة الوفيات في الحوادث المرورية.
وفي سلطنة عمان يبلغ عدد الإصابات 352 إصابة لكل 100 ألف نسمة، وهناك تلعب الظروف الجغرافية دورا مهما نظرا لوجود مناطق جبلية كثيرة ومرتفعات عالية فنجد نسبة حوادث الطرق تزيد بسبب سقوط السيارات من الأماكن الجبلية المرتفعة، وتؤكد الإحصائيات المرورية في سلطنة عمان أنه كل عام يتم إلغاء ترخيص 294 سيارة من كل ألف سيارة لعدم صلاحيتها نتيجة تعرضها لحادث مروري.
أما في دولة البحرين ذات المساحة الصغيرة نسبيا فنجد أن جسرا مثل جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالمملكة العربية السعودية يشهد زحاما غير عادي في أوقات الصباح والمساء مما يجعله عرضة لحوادث طرق أكثر من غيره، إضافة إلى أن البحرين من أكثر دول العالم من حيث الكثافة السكانية حيث يوجد 2515 نسمة في كل ميل مربع مما يجعل نسبة حوادث المشاة مرتفعة جدا، كما أن ارتفاع نسبة ملكية السيارات الخاصة في البحرين بحيث وصلت في بعض الأحيان والفترات إلى سيارتين لكل 7 أشخاص يشكل عنصرا مهما في زيادة عدد حوادث الطرق.
وفى دولة قطر ارتفعت معدلات حوادث الطرق والمرور بسبب النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد وتزامن معه زيادة كبيرة في أعداد المركبات الخاصة فبعد أن كان كل ألف شخص لهم 33 سيارة عام 1980 أصبح في عام 2002، 53 سيارة لكل 100 شخص مما ساعد على زيادة حوادث المرور.
وتحتل الجزائر المرتبة الرابعة عربيا من حيث حوادث الطرق بعد كل من السعودية والمغرب وقطر، وهي تحاول تفعيل دور المجتمع المدني في الوقاية من حوادث المرور بمشاركة الجمعيات العربية والأجنبية ذات النشاط في هذا المجال بإلقاء الضوء على الدراسات التي تناولت الأسباب التي تقف وراء زيادة نسبة هذه الحوادث عربيا.
وتعد السرعة غير القانونية من أهم حوادث المرور في اليمن التي تزايدت في الآونة الأخيرة حتى بلغت 309 حوادث في محافظة إب وحدها خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2007، وقدرت الأضرار المادية للحوادث بمبلغ ثلاثة ملايين و866 و800 ريال،وتشير إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية اليمنية إلى أن الحوادث المرورية في اليمن قد بلغ عدد ضحاياها خلال عام 2006 الماضي نحو 2816 قتيلا بارتفاع عن العام 2005 بلغ 237 شخصا، وكانت حالات الإصابة التي تسببت فيها تلك الحوادث وصلت إلى حوالي 17147 إصابة.
وتبلغ نسبة حوادث المرور في الإمارات العربية المتحدة 961 عن كل 100 ألف موطن، وفي طريق مثل ذلك الذي يربط بين دبي والشارقة والمسمى الطريق 11-أ تمر 5000 سيارة في الساعة بالفترة الصباحية و8000 سيارة في الساعة بفترة الذروة بكل اتجاه من ذلك الطريق وهو ما يعكس تزايد عدد السيارات مما يجعل نسبة وقوع حوادث كبيرة جدا وتشير دراسة إلى أن %72 من جملة وفيات المواطنين في الإمارات بسبب حوادث الطرق المرورية ومعظمهم من الشباب دون الـ30 سنة وأن أكثر من %35 من هذه الحوادث تحدث للمشاة كما ارتفعت المخالفات المرورية من 687 مخالفة عام 1985 إلى 4219 مخالفة في عام 2002 في اليوم الواحد.

60 مليار دولار خسائر آسيا والشرق الأوسط
وقدرت التكلفة الاقتصادية لحوادث السير بنحو 815 مليار دولار عام 2005، بلغت حصة الدول النامية منها 65 مليار دولار بحسب الدكتور خوزيه ميجال رئيس المنظمة الدولية للسلامة المرورية الذي قدر أيضا خسائر الأرواح دوليا بسبب الحوادث المرورية بنحو مليون شخص بالإضافة إلى خمسين مليون مصاب 40 في المائة منهم تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين، كما أن الحوادث المرورية تعتبر السبب الثاني لموت الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات و 25 سنة، وذكر معهد أبحاث الطرق في بريطانيا أن الحوادث المرورية تتلف ما يزيد على %1 من مجمل الإنتاج الوطني لعدد كبير من الدول وأن هذه النسبة تزيد في الدول النامية، وقدرت دراسات ذات المعهد تكاليف حوادث المرور في العالم بحوالي 230 مليار دولار سنويا، بلغ نصيب دول آسيا والشرق الأوسط فيها حوالي 60 مليار دولار، وفي أوروبا 77 مليار دولار، وفي أمريكا الشمالية 72 مليار دولار، وألمانيا 37 مليون مارك، وقدرت تلك الدراسة الخسائر المادية فقط في السعودية بنحو مليار دولار، ولكن وفي دراسة علمية أنجزها خبراء في جامعة الملك سعود في الرياض تحت عنوان "حوادث المرور في الوطن العربي" نشرت في عام 2000 تم الكشف عن أن حجم الخسائر الناجمة عن الحوادث المرورية في الوطن العربي يقدر بنحو 24.1 مليار دولار كناتج تقديري للخسائر المادية والإصابات والوفيات، وقد استحوذت التلفيات في الممتلكات العامة والخاصة على النسبة العليا بحوالي 19.1 مليار دولار سنويا من إجمالي الفاقد الاقتصادي، وطبقا للدراسة التي أعلنت نتائجها في المؤتمر العربي الدولي للسلامة المرورية بالكويت فإن عدد حوادث المرور في العالم العربي خلال ذلك العام بلغ نصف مليون حادث أسفرت عن 62 ألف قتيل، وقد احتلت السعودية المركز الأول ضمن الدول العربية في ما تتكبده من خسائر باهظة سنويا بسبب حوادث الشوارع والطرقات حيث تخسر السعودية حوالي ما يقارب 16.2 مليار دولار سنويا ثم تلتها المغرب من حيث حجم الخسائر الناجمة عن حوادث الطرق بمبلغ مليار ونصف مليار دولار، ثم تلتها مصر في المركز الثالث بإجمالي خسائر 964.1 مليون دولار ثم الجزائر والأردن في المركزين الرابع والخامس بينما جاءت العراق في المرتبة الأخيرة من حيث الخسائر الاقتصادية بسبب حوادث المرور حيث تخسر 41 ألف دولار سنويا وهذا لا يعكس الرقم الحقيقي للخسائر العراقية بسبب تدهور سعر صرف الدينار العراقي الذي تم الحساب به أثناء إعداد الدراسة، ولا شك أن هذه الأرقام تعرضت للزيادة في الأعوام التالية.
وتشير الدراسات إلى أن معظم المتوفين والمصابين من جراء حوادث الطرق في العالم العربي من الشباب بين 11 سنة و40 سنة الذين يشكلون نواة بناء المجتمع كما أن تلك الحوادث تصيب ممتلكات أفراد كالمركبات وممتلكات عامة كالطرق والكباري والجسور والمحال التجارية والمباني وغيرها مما يكبد الدول كثيرا من المبالغ الطائلة، إضافة إلى الخسائر البشرية التي لا تقدر بمال حيث تخسر تلك الدول كفاءات إنتاجية وطاقات شابة كانت قادرة على العطاء، وتؤكد جميع الدراسات العلاقة الوثيقة بين النمو الاقتصادي لأي دولة وكفاءة شبكات الطرق بها، ففي مصر يقتل أكثر من 10.000 شخص سنويا بسبب حوادث الشوارع والطرقات وفى السعودية 3 آلاف شخص وهي أرقام تفوق الأرقام التي تعلن عن ضحايا الحروب أو الإرهاب أو الكوارث.

تزايد مستمر
وبحسب الدراسات الدولية فإن معدل الحوادث المرورية ووفياتها مرشح للزيادة بنسبة 20 في المائة حتى عام 2020 في حال بقاء الأوضاع على حالها، بينما تبالغ بعض الدراسات في تقدير هذه النسبة وتؤكد أنه إذا استمرت هذه المعدلات بنفس الوتيرة فسيتصاعد معدل الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بنحو %60 وبحلول عام 2020 حيث تحتل حوادث الطرقات المرتبة الثالثة في تعداد أسباب الوفيات وذلك قبل العديد من الأوبئة والأمراض بما فيها مرض الإيدز وذلك بدلا من المرتبة التاسعة بحسب رئيسة لجنة أصدقاء المرور النسائية رئيسة شؤون المرأة والأسرة في المنظمة العربية للسلامة المرورية انتصار فلمبان، التي أوضحت أن إحصائيات حوادث المرور في العالم أظهرت وقوع 1.2 مليون قتيل في العام بمعدل 3000 قتيل يومياً إلى جانب أكثر من 12 مليون جريح.
وطبقا للدراسة التي أعدتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب فإن الخسائر المادية التي ترتبت على حوادث المرور في العالم تفوق ما أورده المعهد البريطاني، فهي تقدر بنحو 500 مليار دولار سنويا، وتبلغ نسبة الخسائر إلى إجمالي الناتج المحلي في الدول الصناعية نحو %2.1 بينما ترتفع هذه النسبة في العالم النامي لتصل إلى 2.5 تنفق على شراء الأدوية ومعدات المستشفيات وقطع غيار السيارات التالفة، وقد تم تسجيل 32 ألف حالة وفاة سنويا في الدول العربية بسبب حوادث المرور، كما تخلف الحوادث شهرياً ما خلفته أحداث 11 سبتمبر، وتصل معدلات ضحايا حوادث الطرقات في البلدان النامية من بين الأطفال دون سن الخامسة عشرة إلى %20 وهو ما يمثل تقريباً نصف الأرقام المسجلة في البلدان الصناعية.

أسباب تفاقم الظاهرة عربيا
وتورد دراسة جديدة صدرت عن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أعدها الأستاذ الدكتور عامر بن ناصر المطير حصرا لجميع الأسباب التي تؤدي إلى وقوع حوادث في البلدان العربية وجاء منها المساحات الشاسعة للوطن العربي وتباعد المسافات بين المدن العربية، فعلى سبيل المثال نجد المسافة الفاصلة بين مدينة القاهرة ومدينة أسوان في جنوب مصر تزيد على ألف كم، ونجد المسافة بين مدينة مكة المكرمة والرياض حوالي 900 كم وهي مسافات بعيدة جدا تتسبب في إصابة السائق الذي يرغب في قطع تلك المسافات بالإرهاق كما أن لعنصر الأحوال الجوية دورا في هذه الظاهرة فالجو الحار في المنطقة العربية ذو أثر كبير في الحالة المزاجية والصحية للسائقين، مما قد يعرضهم للإرهاق والتعب بسبب طول المسافة ومن أهم الأسباب أيضا زيادة المعدلات السكانية في الوطن العربي حيث يتضاعف عدد السكان بمعدل مرة كل 20 عاما، وهو ما يعني كثافة أكبر في المجتمعات العمرانية وتكدسا للسكان مما يخلق أجواء مرورية مزدحمة يساعد على تفاقم الأزمة، ويضاف إلى ما سبق سبب رئيس وهو تحسن الأوضاع الاقتصادية للمواطن في العالم العربي بشكل ملحوظ مما أدى إلى زيادة نسب تملك المركبات الخاصة والتي زادت في المدن وفى الريف نظرا لأهميتها لدى جميع المواطنين وارتفع عدد المزارعين الذين يمتلكون شاحنات خاصة تساعدهم على أعمال الزراعة لتزيد بالتالي مشكلة الحوادث المرورية في المناطق الريفية أيضا.

فوضى في الطرق
رغم مستويات التحضر العالية
وحتى نتمكن من درء خطر الحوادث المرورية في الوطن العربي فعلينا أن نفهم جيدا مدى خطورة تلك الحوادث وتأثيرها في مسيرة تقدمنا وتنمية مجتمعاتنا، وقد أكدت الدراسات أن معظم بلدان المنطقة العربية تعج بكم هائل من الفوضى المرورية مهما بلغت تلك الدولة من رقي وتقدم، وتعد نسبة الزيادة السكانية في دول الخليج من أعلى المعدلات في العالم بالإضافة إلى تزايد نسبة الهجرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي من خلال العمالة الوافدة من دول مختلفة جميع هذه الأسباب يؤدي إلى تزايد الكثافة السكانية ومن ثم زيادة الأزمات المرورية التي تنجم عنها حوادث كثيرة ليرتفع عدد تلك الحوادث في دول الخليج إلى 474 ألف حادثة في عام 2002 مقارنة بـ 97 ألف حادثة في عام 1990 أي أن الحوادث المرورية زادت على طرق دول الخليج بنسبة %387 خلال 12 عاما.
وأشار المطير في دراسته التي استخدم فيها المؤشرات المتفق عليها عالميا، إلى أنه لو وزع مجمل التكلفة الاقتصادية للحوادث المرورية ونتائجها بناء على عدد الأسر في الوطن العربي، فإنها تشكل في المتوسط 640 دولارا سنوياً لكل أسرة، كما أن متوسط مؤشر عدد الوفيات إلى عدد الإصابات بسبب الحوادث المرورية في الدول العربية يفوق نظيره في أميركا وإنجلترا بأكثر من 10 أمثال، وهو أكثر من ضعف المؤشر في فرنسا، أما متوسط مؤشر عدد الوفيات بسبب الحوادث المرورية إلى كل عشرة آلاف سيارة في الوطن العربي فهو يفوق نظيره في كل من أميركا وإنجلترا وفرنسا بأكثر من 10 أمثال، وأرجع الباحث أسباب الفاقد الاقتصادي الضخم، إلى استمرار تدني مستوى السلامة المرورية الذي أدى لارتفاع أعداد الحوادث المرورية، مضيفا لذلك انتشار الميكنة الزراعية من جرارات وشاحنات خفيفة في الأرياف، واستخدام الكثير منها كوسيلة لنقل الأفراد، إضافة إلى قلة الرقابة المرورية في هذه المناطق.
ولعل أبرز ما جاء في دراسة المطير هو تحديده لأسباب زيادة حوادث الطرق في الوطن العربي وعزا الأسباب إلى أن بعضها يرجع إلى الإنسان: كالسرعة والتهور في القيادة وقيادة صغار السن أو القيادة تحت تأثير مواد كحولية أو مخدرة أو ترك حيوانات سائبة على الطرقات السريعة، وبعض الأسباب يعود للمركبة مثل: استخدام وسائل نقل لا تصلح لنقل الإنسان أو تلف الإطارات وتهالك وقدم المركبة أو استخدام قطع غيار غير أصلية أو تلف مكابح السيارة أو عدم صلاحية الإضاءة في السيارة، كما أرجع بعض أسباب الحوادث إلى الطريق مثل: كثرة المنعطفات بدون إشارات تحذيرية أو الطرق ذات المسار الواحد وعدم وجود معابر آمنة في الطرقات وعدم صيانتها، هذا إلى جانب بعض الأسباب التي تكون البيئة مسؤولة فيها عن الحوادث بسبب ارتفاع درجات الحرارة مما يعرض السائقين للتعب والملل وعدم وجود نباتات وجفاف البيئة أو لوجود شبورة مائية كما هو الحال في المدن الساحلية، وأوصى المطير في ختام دراسته بضرورة تحرك عربي لتبني استراتيجية لرفع مستوى السلامة المرورية، مشددا على أهمية أن تدور أحد محاورها الرئيسية حول الاهتمام بالنقل العام داخل المدن، وخاصة النقل بالحافلات. ولفت إلى أن نسبة عدد حافلات النقل العام لكل 100 ألف نسمة متدنية في الوطن العربي، مقارنة بالدول الأخرى، باستدلاله أن لكل 100 ألف سعودي 14 حافلة فقط، وفي مصر تبلغ 110حافلات، في حين أنها في الفلبين وهي واحدة من الدول النامية فتبلغ 530 حافلة نقل عام لكل 100 ألف نسمة.


ثقافة المرور العربية..
 ثقافة المرور في العالم العربي بلا جذور اجتماعية راسخة، وبلا تاريخ حقيقي.
لم ينتج العرب السيارة، لذا لم يتمكنوا من إنتاج ثقافة مرورية عربية خاصّة بها، بمضمون ونكهة ولسان عربي، ولم يطوّر العرب السيارة، فلم يستطيعوا تطوير علاقاتهم الثقافية، للتعامل معها بمفردات ومصطلحات وطقوس وشعائر ورموز ودلالات من طبيعتها الأصلية.
ظلّت ثقافة المرور عند العرب جارية فعلا، ولكن باعتبارها "ثقافة اضطرار". لا " ثقافة اختيار"، كما ظلّت صفتها "العربية " واقعة فعلا، ولكن " بالاكتساب"، وليس"بالانتساب".
كل ما يفعله العرب اليوم بثقافتهم المرورية، أنهم يعيدون إنتاجها، بطرق غريبة مشوّهة، ويغذونها من توجيهات ثقافتهم المجتمعية العامة، ذات المصادر الأخرى المختلقة، والطبيعة المغايرة تماما فيخلقون بذلك واقعا ثقافيا مروريا غريبا معقّدا وخطيرا.
ولابد من ملاحظة أن هذا الواقع الثقافي المروري الغريب، يجد له تأثيرات وتفاعلات وتداعيات مستمرة في شوارعنا العربية، تتجسّد في حرب عصرية جديدة، أكثر غرابة وخطورة.
ضمن هذه الخطوط نحاول تقديم فهم لثقافة المرور، وصلتها بالمجتمع العربي، تأثيرا وتأثّرا وذلك بالإجابة عن الأسئلة التالية:
-
لماذا بقيت الآلة/ السيارة بلا تاريخ ثقافي عربيا؟ وكيف تشكّلت ثقافة المرور عربيا؟ وما أبرز سمات ثقافة المرور في المجتمع العربي ؟ وعمّ تسفر "حرب الشوارع " العربية، حقيقة ؟ والى أين تسير ثقافتنا، الصغرى والكبرى، في عصر العولمة؟
هذا ما يطرحه أستاذ علم الاجتماع الدكتور سالم ساري في رؤية تحليلية لثقافة المرور العربية فإلى التفاصيل..

على مدى التاريخ العربي الطويل، أنتج العرب ثقافة تاريخية عربية أصيلة، في كل شيء، ولكل شيء تقريبا: عن الله والطبيعة والعالم الخارجي والذات والقريب والغريب وعن الحبّ والغزل والهجر... الدار والعائلة وعن الديار والأرض، والوطن والجيرة و الرفيق والطريق وعن الخيل والليل، والبيداء وعن الرجولة وعن البخل والكرم وعن المجالسة، والمحادثة، والاستماع وعن الحلّ والترحال والإقامة.
تلك والكثير غيرها، إنتاجات ثقافية عربية خالصة، فهي لحسن الحظ أو لسوئه، ثقافات لنا ونحن لها. هي شيء منّا، ونحن شيء منها. أما السيارة فلا! ما زالت السيارة عندنا بلا تاريخ ثقافي عربي، وبلا جذور مجتمعية عربية.
تراكمت لهذه الموضوعات الثقافية ثقافات خاصة ممّيزة في المجتمع العربي، كما تجمعّت لها أدبيات وفيرة، مازالت مستقرة مستمرة أحيانا، متصلة متقطّعة أحيانا أخرى. وذلك لأن الثقافة إنتاج جمعي دائما، متراكم مستقرّ ومستمر. وإذا أردنا الاستقرار والاستمرار والفاعلية، لأي مجال من مجالات الحياة، المتعددة التفاصيل والمضامين والاتجاهات، فإنه يحتاج إلى ثقافة جمعية، تغذّيه، وتتغذّى منه، في الوقت ذاته.سواء كنا نتحدث عن الأدب والفن، السياسة والاقتصاد، التربية والتعليم ، الإعلام والمعلومات..إلخ.
وما دامت الثقافة إنتاجا مجتمعيا خالصا، فلا مرجعية لها إلا ذاتها، محددة في الزمان والمكان.
ومعنى هذا، أنه لا يمكن الحكم على الثقافة، إلا بحكم قيمي معياري، من داخل الثقافة نفسها.
وما دامت الثقافات المجتمعية متعددة مختلفة بالضرورة، فإن مدى "تقدّم" / " تخلّف" الإنتاجات الثقافية ، لا يقاس بمقياس خارجي موحد، أي بمدى قربها /بعدها عن غيرها من الثقافات.
-
فما هي الثقافة التي تعطي لنفسها الحق في تنصيب نفسها بالذات بإعتبارها "النموذج الثقافي " الأوحد ؟
-
أين هي "الثقافة المركز" التي يمكن لها أن تزعم، من الآن فصاعدا، أنها وحدها التي يقاس بها التقدم ، وعنها التخلّف الثقافي؟
انتهاء من أزمة الأنثربولوجيا البريطانية المبكرة ، لم يعد الاختلاف الثقافي مساويا" للتخلّف الثقافي" ، بالضرورة. اصبح الاختلاف لايعني إلا الاختلاف. وليس الاختلاف الثقافي، بالطبع، وصمة أو تهمة لأي ثقافة أو مجتمع , وإنما هو أمر طبيعي و صحي ، بل هو مشروع، مطلوب ومرغوب.
أنتج العرب اللباس العربي التقليدي، العباءة العربية، غطاء الرأس العربي ( الشماغ والعقال)، "القفطان" المغربي الموشّى بالذهب ، الثوب الفلسطيني المطرّز بالحرير،"الدشداشة" الخليجية البيضاء..إلخ، وأجادوا صنعه،لأن وراءه ثقافة عربية عريقة للباس والمظهر والثراء. يسير الرجل العربي بعباءته العربية الفاخرة،بجلال، كأنه أمير أسطوري! وتتهادى المرأة العربية بعباءتها العربية المزيّنة، بجمال، كأنها ملكة خرافية! وما المفاخرة العربية بالقول" إن العزّ للعرب " العزّ يليق بالعرب"، إلا مفاخرة مستندة بثقة إلى عراقة ثقافة اللباس العربية. وإلى هذه الثقة بعراقة ثقافته المظهرية، لابد أن نلاحظ أنه لاتوجد مشكلة حتى للعربي العادي مع اللباس والوسامة و"الشياكة"، حين يريد ارتداء الألبسة الأجنبية ذات "الماركات " العالمية الفاخرة .
وفي المقابل هناك مثلا، مشكلة حقيقية للغربي في ارتداء اللباس العربي (في المصنع والعمل)، أوتناول الأكل العربي (بالطريقة التقليدية). فالمعلقة والشوكة والسكين، مثلا، أدوات صنعها ويعرفها ويألفها، ولكنها تبقى غريبة غير مألوفة وغير ملائمة لثقافة "المنسف" الأردني، أو"الكبسة" الخليجية، أو"الباجا" العراقية، أو "المسخن " الفلسطيني.
المسألة ببساطة، أن الإنسان كائن ثقافي قيمي معياري. أي شيء لا ينتجه مجتمعه بيديه، يظل غريبا عنه، ثقيلا عليه. ويظل يتعامل مع ما لا يعرف، بهدي ما يعرف. والسيارة ثقافة من حيث طرق التعامل معها. الإنتاج الحضاري إنتاج واحد/ موحد للعالم كله. والإنتاج الثقافي إنتاج مجتمعي مختلف باختلاف المجتمعات في العالم.
مازالت ثقافة المرور غريبة عنّا، ونحن غرباء عنها. وذلك ببساطة، لأننا لم ننتج (تاريخيا) ثقافة عربية (محلية) مستقرة مستمرة مؤثّرة للمرور. فظلت ثقافة السيارة، كالسيارة ذاتها، ثقافة مستوردة يتم تعلّمها، والتعامل معها بطريقة مشوّهة. ثقافة من الصعب استنباتها بسهولة ويسر وفعالية، لأنها لم تتأصّل في بنية الحياة الاجتماعية العربية، ولم تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية الأخرى. فكل ما لدينا هو تصوّرات وقيم وممارسات اعتقادية بشأن هذه الثقافة المرورية الوافدة. تتراكم هذه الاعتقادات (وليس المناهج والقوانين والمعلومات) في المجتمع العربي حقا، ولكن ليس من واقعها الفعلي، أو من طبيعتها الأصلية، وإنما من واقع مغاير، وطبيعة أخرى تتشكل إحداثياتها في بيئة ثقافية عربية ذات تاريخ واتجاهات وتوجّهات مناقضة تماما.
مصدر هذه الاعتقادات المرورية في المجتمع العربي هو توجيهات الثقافة المجتمعية العربية السائدة، وأنماط قيمها وسلوكياتها. الثقافة العربية العامة عندنا هي الموجّهة لكل شيء في المجتمع العربي: هي التي توجّه المرور كما توجّه القبور. توجّه العلم كما توجّه الشركات. توجّه الطموحات كما توجّه المقاولات!!

ثقافة عالم سفلي
عالم السيارات عالم سفلي، تكوّن عندنا من الخارج إلى الداخل. ويتمّ بناؤه بأيدينا من أسفل إلى أعلى. فإذا كان الأغنياء العرب هم أول من اشترى السيارات، فإن الفقراء العرب هم أول من ساقها. فكان رواد السواقة الأوائل، هم أيضا رواد الثقافة (المرورية) الأوائل:
هم منشئوها ومطوّروها. هم الذين تحددت على أيديهم مواصفات "المهنة" ومقاييسها. وهم الذين رفعوا شعاراتها، وأقاموا شعائرها. ومن تفاعلات هؤلاء السواقين وعلاقاتهم، تشكّلت مفردات تلك الثقافة ومصطلحاتها، وتحددت دوافعها ومعانيها، ورسمت سياساتها ومدارسها.
وهذه ثقافة تمّ تعريبها ببطء. وتشكّلت عندنا بأذواق أصحابها من الطبقة العاملة، وتطوّرت بتطوّر حياتهم الاجتماعية.
"
الشوفيرية" إذن، سائقو االتاكسيات والحافلات والشاحنات، من أبناء الطبقات الفقيرة، هم الذين تشكّلت على أيديهم، ثقافة المرور العربية.
هم الذين حفظوا لموضوعات مهنتهم أسماءها الأصلية لدى جميع أفراد المجتمع، بغضّ النظر عن مستوياتهم الطبقية، التعليمية أو العمرية ومنها:"الشوفير" و"الكونترول" و"التاكسي" و"الباص" و"المايكرو" و"الفان" و "التّرك" و "التريلا"...إلخ؟.
وعلى ضوء تجربتهم معها، أو باعتقاداتهم حولها، عمدوا مبكّرآ إلى تصنيف السيارات:
-
السيارة الألمانية (وهي المرسيدس بامتياز) تتصف بالقوة والمتانة وطول العمر، وتوفّر قطع الغيار وهذه القيمة بارزة في الثقافة الألمانية نفسها.
-
السيارة الأمريكية (الكابرس والشيفروليه، بصور ملحوظة) وتتصف بالفخامة والراحة وقوة التحمّل، ولكنها مستهلكة للوقود، ومكلّفة في الصيانة.
-
السيارة اليابانية (الكروزر، بلا منازع) سيارة كل العائلة، وكل المهمات، لا تخذل صاحبها أبدا.
-
السيارة الفرنسية (البيجو، لا شيء سواها) جميلة، صغيرة، ورشيقة. ولكنها غريبة الطباع، غير متوفرة القطع، سريعة الهرم والعطب.
كما صنّفوا التخصصات ومتطلباتها، ومواصفات أصحابها، وحافظوا على استمرار النشاطات المميزة لكل منهم، التي استقرت تقريبا على الصورة التالية:
-
سواقة التاكسي: للشاب في مقتبل العمر، حسن المظهر، حلو الحديث. متوسط التعليم. مكانه المدينة. وركابه من جميع الطبقات والبلدان. مسجله لا يحتوي ألا على الأغاني العصرية الجديدة (ولو كانت هابطة). سيارته نظيفة مريحة، شبابية جذابة، مهما كانت مكلفة، لأن عمله، في النهاية ليس إلا تسلية أو هواية أو غواية!
-
سواقة الباص: لرجل عاقل مجرّب صبور، يعمل لإعالة أسرته. مجاله المسافات بين المدن، وبينها وبين العاصمة. مذياعه يفتح على الإذاعة الوطنية، وسماعه المفضّل هو الأخبار في أوقاتها المنتظرة.
سواقة الشاحنات: للرجال الأقوياء ذوي الصبر والجلد على الجوع والعطش والسهر، له تجربة في طوي المسافات والبراري والقفار، وخبرة كافية بالحدود الأمنية ومراكز الجمارك العربية. عنده إحساس دائم بالحرية والانطلاق، ورغبة جامحة بالعودة، ولو بعد أيام أو أسابيع، ما دام ممتلىء الجيوب. له رزق من الخيرات العربية النفطية، وفي نفسه مرارة من احتلال "القطر الشقيق"، وشكوى دائمة من مضايقات الغرباء، ودعاء صادق بأن يرحلوا عن الأرض العربية. لا شيء يساعده في رحلته الطويلة مثل "أم كلثوم".
وتسقط هذه الطبقة الشعبية، كثيرا من شعاراتها الإيديولوجية، وممارساتها الاعتقادية على السيارة بوضوح ومن هذه الممارسات الاعتقادية الشعبية، التفاؤل والتشاؤم، الاعتقاد بالحسد، والنزعة القدرية.
لاحظ مثلا، أنه إلى وقت قريب، كان بعض أفراد بعض مجتمعات الشام والأردن وفلسطين يفتدون سياراتهم الجديدة "بذبح عظيم"، يسيل دمه على "بوزها"(أو مقدمتها).. أو يفتدي نفسه "بنذر كبير" إذا سلم من شّر أصابه فيها ولاحظ كيف يعلّق العرب جميعا تقريبا، آيات قرآنية يستعينون بها على حماية سيارتهم من الحسد. أو يعلّقون عليها أو يضعون فيها تعاويذ وتمائم كالـ"خرزة الزرقاء"، أو أصابع اليد الخمسة،"خمسة وخميسة" الطاردة للعين الحاسدة.
ولاحظ كيف كان بعض أفراد المجتمعات العربية، خاصة في الشام ومصر وفلسطين، يربطون على مؤخرة السيارة حذاء صغيرا قديما لا يسرّ الناظرين إليها! ثم لاحظ كيف يكتب بعض أفراد الطبقات الشعبية على سياراتهم شعاراتهم وفلسفتهم المباشرة وأمنياتهم ودعواتهم، ومن الأمثلة الشائعة على هذه الكتابات:
"
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"... " الصبر مفتاح الفرج". " القناعة كنز لا يفنى" . " الرزق على الله". " راجعة بإذن الله" ." الفرس من خيّالها","اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم".
ثم لاحظ أنه ما زال بعض أهالي الصحراء في مجتمعات الخليج العربية يتعاملون مع السيارة وكأنها "خيمة" أخرى متنقلة. فيزيّنونها ويفرشونهاعلى هيئة الخيمة، بوضع جلد الخروف (الجاعد) على مقاعدها ومقودها وخلفيتها، ويحرقون البخور بداخلها.
لا تحتمل الآلة/ السيارة كل هذه الاعتقادات والترتيبات والإضافات (الثقافية) أو حتى بعضها.! ولكن أصحاب هذه الممارسات الاعتقادية يصرّون عليها، لأنها تقوم بوظيفة كبرى لديهم:إنها تعمل على "أنسنة السيارة" أو بمعنى أشمل، "تثقيف الحضارة" أو ببساطة، تحويل ما –لا- يعرفون ويألفون حقيقة إلى ما يعرفون ويألفون حقيقة!

ثقافة ذكورية بامتياز
تشكّلت الثقافة المرورية على أيدي العرب بمجموعة من السمات البارزة أو الكامنة فيها ومنها:أنها ثقافة بدائية بأفكارها وممارساتها. تنبئ عن جهل كبير بأحوال العلاقات المرورية، وجهل أكبر بأحوال العالم المتغيّرالعلاقات، المتطور التقنيات. وأنها ثقافة دنيوية، تسير بلا دين أو روح أو أخلاق. ثقافة سطحية هشّة بلا تاريخ عريق يساندها وبلا مرجعيات مؤسسية، وبلا أحكام ثابتة. تبدو لشدة سذاجتها وكأنها تشكلت بالأمس أو اليوم أو الآن فقط! وعدوانية وهي السمة الثالثة لهذه الثقافة. تدلل ممارسات أصحابها على أنها تغذّي عندهم نزعات عدوانية وعنفا وفظاظة، فيتعلمون على يديها درسهم الأول في السواقة:
"
لكي تكون سائقا عربيا على الطريق، يتحتّم عليك أن تكون ذئبا، وإلا أكلتك ذئاب الطريق"! والتعصبيّة هي السمة الرابعة للثقافة العربية المرورية، إنها ثقافة متمركزة حول "الذات العشائرية/ القبلية"، لا تقبل الاخر المختلف، لا تتعايش معه في المكان. لا وجود فيها للقيم المدنية الحضرية، من تسامح وتجاور وتنظيم. لا تستطيع إشغال الحيّز المكاني، دون التفرّد به ، أو الاستيلاء عليه بالقوة. وتخلو بصورة صارخة، من مفردات اللباقة واللياقة والكياسة. وثقافة المرور ذكورية بامتياز. الرجال هم صانعوها المنفردون، والرجال أيضا هم أبطالها المتفرّدون. وليس الرجال هم صناّع الثقافة المرورية العربية فحسب، وإنما هم أيضا صنّاع الثقافة المجتمعية الكليّة السائدة في المجتمع العربي اليوم. هم الفاعلون المؤثّرون في أحداثها وإحداثياتها. وهم الموجّهون لمجرياتها ومساراتها. أما المرأة فهي الحبيسة المزمنة للثقافة العربية .فليست إلا موضوعا لها، متأثرة منها، غير مؤثّرة فيها.
ظلّ عالم السيارات مصرّا على معايير وشروط هيبته واحترامه. وليس من المقتضيات الرئيسة "لهيبة المهنة" واحترامها، الالتزام بقوانين السير وتعليماته، أو المحافظة على شرف المهنة وأخلاقياتها، وإنما بمنطق رجولي بسيط ومباشر:" العمل على أن تظل المرأة بعيدة عن القيادة كلما كان ذلك ممكنا"
ومن الممتع في هذه الثقافة المرورية الذكورية، ملاحظة التمايزات والتكتيكات السلوكية الذكورية/الأنثوية التالية:
-
لاحظ كيف تحوّل، بصورة مبكّرة، بعض سائقي التاكسي "من ذوي الشوارب الكثيفة،والعضلات المفتولة، والزنود الموشومة" إلى سواقة الشاحنات والتريلات الضخمة لانهم لم يعودوا يطيقون رؤية المرأة تقود هي أيضا سيارة صغيرة مثلهم. فمفاهيم" الذكورة والرجولة والصرامة"، لم تعد تضمنها لهم سواقة السيارات الصغيرة .
-
راقب لعبة السيارات المميتة" الديك، والدجاجة" التي يمارسها بعض فتيان الخليج العربي.
كيف يتحتّم على الدجاجة أن تفرّ مذعورة من أمام الديك، عندما تلتقيه وجها لوجه في حيّز لايتسع إلا لواحد منهما فقط، وإلا لقيت حتفها حتما، بصورة درامية مفجعة.
-
لاحظ التزام الغالبية العظمى من النساء اللواتي يقدن السيارات بوضع غطاء الرأس، حتى أصبح وكأنه من "عدّة الشغل" ! بينما هو" شرط مسبق" للموافقة العائلية والقبول الاجتماعي للقيادة الأنثوية. ولاحظ كيف ارتبطت زيادة انتشاره بزيادة أعداد السائقات. ولا يحدث هذا في عواصم "المحافظة الاجتماعية " الملتزمة بالقيم الإسلامية: الرياض، الدوحة، مسقط .. وإنما في "عواصم التعددية الثقافية" والانفتاح الاجتماعي أيضا: عمّان و القاهرة و دمشق..
-
ثم لاحظ تعاطف الناس مع المرأة "السائقة الملتزمة" حين يحدث حادث مروري بين سيارتها وسيارة أخرى يسوقها رجل فيقولون:" الحق عليه أو هي ماشية صحّ أو هو الطاير زي الريح أو تلاقيه هو اللي عيونه طالعة وهو يطلّع عليها وهو اللي مش شايف الطريق.....إلخ)

الشوارع العربية: حرب الكلّ ضدّ الكلّ!
حرب الشوارع العربية عندنا هي حرب بلا خيول أو سيوف أو أسلحة. هي حرب تجري في شوارعنا بين أطراف متصارعة بلا مغنم، متنازعة بلا خصومة، ومتعاركة دون معركة حقيقية.
حرب تحدث بين أطراف لا تعرف بعضها، ولا تكلّم إلا ذاتها، ولا تريد أن تلتقي، رغم أنها تركب الآلة نفسها، وتشغل الحيّز المكاني نفسه. حرب تبدأ بلا مقدمات. ولا تنتهي باعترافات أو اعتذارات. مادة هذه الحرب: حديد وزجاج وعصيّ وصراخ وشتائم. ونتيجتها: دماء وجروح وكسور وتشوّهات-لكل الداخلين فيها أوالخارجين منها، أو القريبين من مكان حدوثها. إنها بحق ،" حرب الكلّ ضدّ الكلّ"!
تتغذّى هذه الحرب الكلّية العنيفة المدمّرة من ثقافة مزدوجة: ثقافة المرور العربية،كثقافة فرعية، وثقافة المجتمع التقليدية كثقافة كليّة. ثقافة المرور العربية عندنا، تمامآ كثقافة الحرب العربية ، ثقافة متطرفة، لا توسّط فيها- صاحبها إما قاتل أو مقتول!!
وتشير إحصاءات بلد عربي واحد- الأردن مثلا- "منشورات المعهد المروري الأردني، مديرية الأمن العام) أن:
مجموع حوادث المرور لعام ((2000 بلغت ((95489 حادثا، ما بين صدم ودعس وتدهور وحالات أخرى. وبلغت حالات الدعس منها((5962 حالة.
أما عام 2001، فقد أسفرت حوادث مروره عن ((385 حالة وفاة، و((7660 إصابة بجروح، ما بين خفيفة ومتوسطة وبليغة.
وفي عام((2004، بلغ مجموع حوادث المرور((74747 منها((866 وفاة، و((2642 حالة إصابة بليغة، و((15737 حالة إصابة بسيطة. وفي عام ((2005 أسفرت حوادث المرور عن ((79507 حوادث، منها((805 وفاة، و((2489 إصابة بليغة، و(14588) إصابة بسيطة.
ويمكن أن تلعب قوى وعوامل وظروف متعددة، متضافرة في إنتاج هذا العدد المذهل من ضحايا، هذه الحرب العبثية، الأحياء منهم والأموات، ومن يرتبط بهم من أفراد وعائلات. فيمكن أن ننظر في تأثير سوء التخطيط الحضري وهندسة الشوارع والطرق، والشاخصات المرورية وإعلانات الشوارع وحملات الانتخابات والاحتفالات. كما يمكن النظر في تأثير"ساعات الذروة" وكثافة شرطة المرور، وتنظيم السيارات والمشاة، وحتى الأحوال الجوية ومدى كفاءة المركبات ...إلخ ولكن كلها ليست أسبابا كافية، بذاتها، لتسبب حوادث السير، منعزلة عن تأثير الإنسان سائق المركبة وراكبها: عجزه عن السيطرة على الواقع. إحساسه باللاقوة، واللا معنى، واللا تأثير. ووطأة ما يعانيه من كريهيات الحياة العربية اليومية:
فقرالاقتصاد، قهر السياسة، تسلّط المجتمع، هيمنة الثقافة، وإحباطات التوقعات!!
كما لايمكن، بالطبع، الحديث عن الأسباب بعيدا عن دائرة ثقافة المرور السائدة عندنا وما تخلقه أو تنمّيه من عقليات وأخلاقيات في العلاقات والتفاعلات اليومية.
في منطق العقلية العربية السائدة، وأخلاقيات المرور النمطية، من الممتع تأمّل الوقائع التالية:
-
هل تصدّق أنه إلى فترة بسيطة ماضية، اعتاد بعض السائقين العرب، بخلفياتهم الاجتماعية والتعليمية والمعيشية المتفاوتة، على وضع عصا غليظة " قنوة" تحت كرسي السيارة لاستخدامها عند الضرورة!
-
هل تصدّق أنه ليس سلوكا نادرا أو مستهجنا أن يطلق سائق سيارة النار من مسدسه على السيارة التي تسبقه (السائق أو الإطارات –حسب المزاج) إذا لم يستجب لتنبيهه (بالزامور العالي) بإفساح الطريق له!
-
وهل تصدّق أنه ليس سببا استثنائيا ذلك الذي يشعل معركة (تبدأ كلامية ولا تنتهي هكذا) بين شخص يعتقد أن صاحب السيارة المجاورة يتجاهله، ولا يعرف من سيارته أنه"رجل مهم"!
-
ثم هل تصدّق أنها ليست حالة نادرة أبدا أن ينزل صاحب سيارة من سيارته، وعلى لسانه كل الشتائم، وفي يديه ما يحمله في سيارته من أدوات حماية، لمجرد ظنّه أن سائق السيارة الملاصقة، المتوقفة عند إشارة المرور الحمراء، يمعن النظر في " أهل بيته/حريمه) اللواتي لا يمكن رؤيتهن أصلا!
ثم لاحظ أن "الاعتذار"، رغم أنه الكلمة السحرية في أخلاقيات التعامل، لن تسمعه أبدا في حوادث المرور العربية- سواء من المخطئ أو من الذي وقع عليه الضرر. ولكل أعذاره في عدم الاعتذار!

إلى أين نحن سائرون بسياراتنا؟
لا شيء مثل الشارع العربي يمكن أن يكون مسرحا لكل شيء، ومؤشرا صادقا على أي شيء. الشوارع العربية هي مؤسسات المجتمع العصرية، الممثّلة لأنماط حياة المجتمع، وعلاقاته وتفاعلاته. تعكس مشكلات المجتمع وهمومه واهتماماته. تؤشّر إلى مسارات المجتمع واتجاهاته وتوجّهاته. من الصعب أن نرى ونسمع، بالصورة الحيّة والصوت الأصلي، في مكان غيره، شيئا عن كل شيء، عما يجري في مجتمعنا العربي:
غلاء الأسعار وتكلفة المعيشة، انحرافات المجتمع وجرائمه، فساد المؤسسات والحكومات، جشع أصحاب المال والأعمال، عبثية السياسة والسياسيين، أوهام مشروعات الحرب والسلام، والكثير غيره.
قد تحصل على هذا كله، أو بعضا منه، من عند سائق تاكسي واحد، طالت رحلتك معه، أو قصرت. فابحث عن سائق التاكسي دائما. فهو الحامل الأمين لثقافة المجتمع الشعبية. وهوالمطّّلع المعنيّ بأمر المجتمع بما هو عليه فعلا. وهو نفسه الحافظ غير- الأمين على أسراره.
فإذا كانت ثقافة المرور العربية، بما هي عليه الآن، شيئا من ثقافة المجتمع الكلّية، وإذا كنّا نحن شيئا من ثقافتنا، وثقافتنا شيء منّا ..فإلى أين نحن سائرون بها، أو هي سائرة بنا؟
في عصر العولمة الجارية اليوم بسرعة وعمق، بدرجات متفاوتة، في حميع مجتمعات العالم، يدرك أصحاب الثقافات المختلفة حقيقة ثقافية/ حضارية واحدة:
الاختلاف والقطيعة والانفصال، هو شأن ثقافي مجتمعي خالص. أما الاتّفاق والاتصال والتفاعل، فهو مهمة حضارية إنسانية بالضرورة.
يدرك أصحاب الثقافات المختلفة، بازدياد، أنه إذا لم تتجه ثقافاتهم نحو الحوار والالتقاء والتفاهم مع الثقافات الأخرى، في الأمكنة الأخرى، دون مركّبات عظمة واستعلاء، أوعقد دونية وقصور، فستظل عائقا أمام الاندماج والإسهام في حركة العالم الواحد، نحو ذاته الواحدة. فتبرز أمام أصحاب الثقافات، وأتباع العولمة، على السواء، قناعة جديدة متعاظمة:
مشكلة أي مجتمع معاصر هي مشكلة ثقافية، وليست حضارية، في المقام الأول.
والمستقبل كله للحضارة الواحدة، وليس للثقافات المختلفة. 
- من منتديات االسعودية -

 

 
  جميع الحقوق محفوظة لموقع النقل بالجزائر رحامنية فتحي REHAMNIA FETHI  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement